وقفة مع الحديث النبوي: ( إذا عاهد غدر..)
هذا صفة من صفات أهل النفاق التي أخبر بها النبي في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ].
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم:
إذا عاهد غدر ، ولم يفِ بالعهد ، وقد أمر الله بالوفاء بالعهد ، فقال : { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } ، وقال : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً }، وقال : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وفي " الصحيحين " عن ابن عمر ، عن النَّبيِّ - - ، قال : (( لِكُلِّ غادرٍ لواءٌ يومَ القيامَةِ يُعرف به )) ، وفي رواية : (( إنَّ الغادرَ يُنصبُ له لواءٌ يومَ القيامة ، فيقال : ألا هذه غَدرةُ فلان ))، وخرَّجاه أيضاً من حديث أنس بمعناه .
وخرَّج مسلم من حديث أبي سعيدٍ ، عن النَّبيِّ - - ، قال : (( لِكلِّ غادرٍ لواء عندَ استه يومَ القِيامة )) .
والغدرُ حرامٌ في كلِّ عهدٍ بين المسلم وغيره ، ولو كان المعاهَدُ كافراً ، ولهذا في حديث عبد الله بن عمرو ، عن النَّبيِّ - - : (( مَنْ قَتلَ نفساً مُعاهداً بغير حقها لم يَرَحْ رائحةَ الجنة، وإنَّ ريحها ليوجَدُ من مسيرة أربعين عاماً )) خرّجه البخاري.
وقد أمر الله تعالى في كتابه بالوفاء بعهود المشركين إذا أقاموا على عهودهم ولم ينقُضوا منها شيئاً .
وأما عهودُ المسلمين فيما بينهم ، فالوفاء بها أشدُّ ، ونقضُها أعظم إثماً .
ومِنْ أعظمها : نقضُ عَهدِ الإمام على مَنْ بايعه ، ورضِيَ به ، وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - - ، قال : (( ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهُم الله يومَ القيامةِ ولا يُزكِّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ ، فذكر منهم : ورجلٌ بايع إماماً لا يُبايعه إلاَّ لدنيا ، فإنْ أعطاه ما يريد ، وفَّى له ، وإلا لم يفِ له )) .